کد مطلب:187344
شنبه 1 فروردين 1394
آمار بازدید:222
و سلاحه البکاء (40)
كانت الریاح شتائیة باردة و اللیل یغمر بظلمته المدینة.
الأزقة مقفرة و قد أوی الناس الی النوم، ما خلا بیوت متواضعة كان الضوء یرسل أشعته الواهنة من كوی صغیرة فیها؛ و خلف أبوابها كانت آذان تترقب قدوم «صاحب الجراب».
تساءل «ابن شهاب» و هو یری رجلا یمرق فی الظلام، كان الرجل ملثما ولكنه عرفه؛ ولكن ما دعاه الی الخروج فی الساعة من اللیل، كان «ابن شهاب» عائدا من قصر «الوالی». هتف «الزهری»:
- یابن رسول الله! ما هذا؟!
عدل «حامل الجراب» جرابه و أجاب:
- أرید سفرا و هذا زادی.
تعجب «ابن شهاب».
- دع غلامی یحمله عنك اذن.
رفض «السجاد» و حاول «الزهری» أن یأخذ الكیس عنه.
- دعنی أحمله أنا..
[ صفحه 152]
- انه زادی و أنا أحق بحمله... اسألك بحق الله أن تتركنی و تمضی.
و غاب «صاحب الجراب» فی زقاق ملئ باللیل و البرد.
عدل من لثامه و طرق بابا صغیرة و وضع شیئا ثم مضی...
و توقف أمام بیت یكاد جداره أن ینهار. نقر علی الباب و ترك شیئا علی عتبته ثم استأنف طریقه فی الأزقة و البرد و الظلام.
و مرت ساعات عاد بعدها «صاحب الجراب» بلا جراب، كانت النجوم تشتد بریقا فی السماء و قد انفتحت نوافذ الملكوت.
و لج السجاد محرابه... و تدفق نبع من الصلاة فقد آن لقاء الحبیب مع محبوبه.. و انساب نهر من كلمات الانسان و هو یشدو بحب بارئ الخلیقة:
- الهی من ذا الذی ذاق حلاوة محبتك فرام منك بدلا؟
و من ذا الذی أنس بقربك فابتغی عنك حولا؟
الهی فاجعلنا ممن اصطفیته لقربك و ولایتك
و أخلصته لودك و محبتك
و شوقته الی لقائك
و رضیته بقضائك
و منحته بالنظر الی وجهك
و حبوته برضاك
و اعذته من هجرك و قلاك
و بوأته مقعد الصدق فی جوارك...
[ صفحه 153]
و خصصته بمعرفتك...
و أهلته لعبادتك...
و همیت قلبه لارادتك...
و اجتبیته لمشاهدتك...
و أخلیت وجهه لك...
و فرغت فؤاده لحبك...
و رغبته فیما عندك...
و ألهمته ذكرك...
و أوزعته شكرك...
و شغلته بطاعتك!
و صیرته من صالحی بریتك...
و اخترته لمناجاتك...
و قطعت عنه كل شی ء یقطعه عنك.
الهی! اجعلنا ممن دأبهم الارتیاح الیك و الحنین...
و دهرهم الزفرة و الأنین...
جباههم ساجدة لعظمتك...
و عیونهم ساهرة فی خدمتك...
و دموعهم سائلة من خشیتك...
و قلوبهم متعلقة بمحبتك
و أفئدتهم منخلعة من مهابتك...
[ صفحه 154]
السماء تكتظ بالنجوم و قد تكاثفت ظلمة اللیل فانطلقت استغاثة قلب الانسان عندما تنفتح أبواب الملكوت:
- یا من أنوار قدسه لأبصار محبیه رائقة!
و سبحات وجهه لقلوب عارفیه شائقة!
یا منی قلوب المشتاقین!
و یا غایة آمال المحبین!
اسألك من حبك و حب من یحبك!
و حب كل عمل یوصلنی الی قربك
و ان تجعلك أحب الی مما سواك
و ان تجعل حبی ایاك قائدا الی رضوانك
و شوقی الیك ذائدا عن عصیانك
و امنن بالنظر الیك علی
و انظر بعین الود و العطف الی
و لا تصرف عنی وجهك
و اجعلنی من أهل الاسعاد و الحظوة عندك
یا مجیب. یا أرحم الراحمین.
العینان تسحان الدموع.. دموع الحب الالهی المفتون.. كسماء تمطر علی هون.. تغسل الأشجار و الأرض فتهتز و تربو... و الدموع تغسل قلب الانسان فیشرق بنور ربه و ینبض بالحب و الأمل و السلام.
[ صفحه 155]